ظاهرة السراب

ظاهرة السراب
بين العلم وحقائق الكتاب
الكاتب الأستاذ حسن يوسف شهاب الدين
[/frame]




قال الله عزّ وجل: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَاب{39}[ سورة النور].
السراب عند المفسرين الأوائل
هذا مثل ضربه اللّه تعالى للكفار الذين يحسبون أنهم على شيء من الأعمال والاعتقادات. فمثلهم في ذلك كالسراب. والسراب: ما يرى نصف النهار في اشتداد الحر، كالماء في المفاوز يلتصق بالأرض. وسمي السراب سراباً لأنه يسرب سروباً, أي يجري كالماء{1}, ولانسرا به في مرأى العين.{2}. ويقال: سرب الفحل أي مضى وسار في الأرض. ولا يكون السراب إلا في الأرض القيعة والحر فيغتر به العطشان.
قال الشاعر: فلما كففنا الحرب كانت عهودهم *** لمع سراب بالفلا متألق
والقيعة جمع القاع, والقاع ما انبسط من الأرض واتسع ولم يكن فيه نبت، وفيه يكون السراب. وأصل القاع الموضع المنخفض الذي يستقر فيه الماء، وجمعه قيعان. وقال الجوهري: القاع المستوي من الأرض.
وقال الشاعر عدنان مردم‏
والناسُ أحلامُ السرابِ بقيعةٍ ** تطوى كرجعِ صدىً يرنُّ بوادِ {3}.
وفي معنى: ﴿ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ,
فعل (حسب): يدل على أن الشيء الذي تحسبه موجود, هو في الحقيقة ليس كذلك, فهو غير موجود حقيقة, وبالتالي فهو مناقض لما ترى. والظمآن: أي العطشان. وقال الزجاج: هو أَشدُّه. وقد ظمِئَ فلان يَظْمَأُ ظَمَأً إِذا اشتدَّ عَطَشُه. وظَمِئَ إِلى لِقائه: اشْتاقَ.{4}. فيكون المعنى: إذا رأى السراب من هو محتاجٌ إلى الماء, سيقصده ليشرب منه, لأنه على حد علمه ماء يشرب, فلما انتهى إليه {لم يجده شيئاً} فكذلك الكفار, يعولون على ثواب أعمالهم, فإذا حاسبهم اللّه سبحانه وتعالى يوم القيامة عليها لم يجدوا منها شيئاً، كما قال الله تعالى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا{23} [الفرقان]. كما لم يجد صاحب السراب إلا أرضاً لا ماء فيها.{6,5}.
وقال رسول الله في الحديث الطويل:
﴿ أنه يقال يوم القيامة لليهود ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد عزير ابن اللّه، فيقال كذبتم ما اتخذ اللّه من ولد ماذا تبغون؟ فيقولون: يا رب عطشنا فاسقنا، فيقال: ألا ترون؟ فتتمثل لهم النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً فينطلقون فيتهافتون فيها﴾.{7}.
ومنه فالسراب كما فهمه السلف الصالح وعلماء اللغة العربية أنه فيما لا حقيقة له.
وكان يضرب به المثل ليدل على الكذب فيقال: السَّرَاب أكْذَبُ مِنْ يَلْمَع.{8}. وقال الشاعر:
وإنك والتماس الأجر بعدي *** كباغي الماء يتبع السرابا
{9}. فالسراب في الحقيقة خدعة بصرية يحسبه الرائي ماء لا وجود له.
السبق العلمي لدراسة ظاهرة السراب:
كان السبق في دراسة هذه الظاهرة إلى علمائنا المسلمين الكبار وعلى رأسهم صاحب كتاب المناظر في البصريات العالم المسلم الحسن ابن الهيثم البصري الذي كان رائداً في هذا المجال وكان أول من أعطى تفسيراً لهذه الظاهرة بشكل علمي وفيزيائي.

تفسير السراب من الناحية العلميـة تعريف ظاهرة السراب هي خدعة بصرية (ضوئية) تحدث نتيجة ظروف البيئة المحيطة من اشتداد درجة الحرارة والأرض المستوية واختلاف في معامل الانكسار مما يجعلها في حالة توهج شديد حيث تبدو كالماء الذي يلتصق بالأرض ليعكس صوراً وهمية للأجسام وكأنها منعكسة عن سطح مرآة كبيرة, وترجع تسمية السراب عند العرب إلى سرب الماء أي جرى وسار, أما التسمية الإنكليزية لهذه الظاهرة فتعود إلى كلمة mirage وتعني المرآة باللغة الفرنسية وتُعرف بـ ظاهرة الانعكاس الكلي الداخلي.



أنــــواع الســـــراب

0 التعليقات (+add yours?)

إرسال تعليق